الحلقة السادسة من يوميات الحاجة أم مشعل حفظها الله

بكل تأثر وإحساس بأنك ستفارق مكانا أحسست به بكل أنواع الإيمان والامان نعم الامان ، اول مرة احس فيها بأنني في مأمن تام حيث أخرج لصلاة الفجر بمفردي بكل فخر وعزة هناك أحسست بأنني امراة لا تخاف من خروجها من بيتها بمفردها لتؤدي فرائضها بالمسجد النبوي الشريف ، نعم انه الامان الالهي ، رزقنا الله واياكم امنه وامانه والايمان به الى يوم الدين .
حانت ساعة الفراق داعين الله تعالى ان يعيد علينا هذه الزيارة مرات ومرات ومرات.

اليوم السابع من ذي الحجة

ها نحن في اليوم السابع من ذي الحجة ، اشرفنا على بداية المناسك نعم جمعنا عدتنا لنودع المدينة المنورة بقلوب منكسرة لترك احسن بقعة ضمت سيد اشرف خلق الله ،نعم لم استطع النوم تلك الليلة فتحت النافذة وامامي القبة الخضراء أسلم على سيد البشرية وادعو الله من اعظم مكان في الوجود ،وحاولت ان انال قسطا من النوم لكن بيني وبينكم لم استطع.

توضأت وخرجت الى المسجد النبوي الشريف كي أنتظر الى ان اصلي صلاة الفجر ان شاء الله بكيت كثيرا ودعوت الله تعالى ان يغفر لي ولجميع امة حبيبه المصطفى ، مباشرة بعد صلاة الفجر اغتسلنا وتوضأنا ونوينا الدخول في النسك بقلوبنا ، لبيت وعقدت نيتي لبيك اللهم لبيك حجا وعمرة اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة .

سنحج متمتعين ان شاء الله ، ودعنا المكان حوالي الساعة 11 والنصف صباحا مستقلين الحافلة منطلقين حيث الميقات وبما أن ميقات القادمين من المدينة او اهل المدينة ميقات ذي الحليفة او( ابيار علي) كما يطلق عليه عامة الناس ــ بين قوسين هذه التسمية لا تجوز لانها تسمية سماها الرافضة في زعمهم ان علي رضي الله عنه قاتل جنيا على بئر هناك، لذا لا يجوز أن نقول ابيار علي بل ذي الحليفة والملفت للنظر في طريقنا الى هناك سبحان الله ارض جرداء ، جبال وكثل وتضاريس متشعبة وجمال ترعى هناك من اعشاب تشبه الحلفاء، واخذت مخيلتي تبحر في حياة وسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم ومدى الصعاب التي واجهها في نشر الرسالة النبوية الشريفة بأمر من رب العزة والجلال .

المهم ميقات ذي الحليفة هي منطقة تبعد عن المدينة بحوالي 12 كيلومترت وعن مكة المكرمة ب428 كلم، شارفت قافلتنا على محل الميقات ، نزلنا من الحافلة وقصدنا المسجد لنصلي صلاتي الظهر والعصر جمعا قصرا ، وما هي الا لحظات حتى خرج الرجال بلباس أبيض طاهر يشع إيمانا وكأنها كثلة بيضاء كسرب حمام ارسلت من السماء منظر رهيب حقا، حين استقلوا الحافلة اخذوا اماكنهم رافعين اصواتهم بالتلبية ونوينا كما نوى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك الله اكبر يا له من ايقاع تطرب له الانفاس سبحان الله والله يقشعر البدن لتلك اللحظات المؤثرة حقا ، وحتى سائق الحافلة الذي كان متطوعا جاء من سوريا للخدمة في الحج لبس ثوب الاحرام رافعا صوته بالتلبية امام المقود يا له من منظررائع ،

وها نحن ندخل مباشرة بعد الاحرام الذي هو اول اركان هذه النسك ، اغرورقت عيني دموعا وانا أرى بجانبي زوجي بلباس الإحرام فرحا خاشعا بترديد التلبية ودعوت الله تعالى أن يتقبل منا ومن جميع الحجاج وكان تركيزي على ان يتقبل الله منا ويغفر لنا ويصلح احوالنا جميعا ويعيدنا ان كتب لنا العودة سالمين بذنوب مغفورة كما ولدنا من جديد ، من هناك انطلقت الحافلة على بركة الله في اتجاه مكة المكرمة ، ولم تنقطع الاصوات عن التلبية بل كلما اقتربنا من مكة الا وارتفعت الوتيرة في التلبية وطنينها يذوي الان في اذني ،كم هو رائع حقا .

كانت الساعة تشير الى الخامسة تقريبا وكان الوقت ليلا ، يا الله انتبه كل الانتباه نحو رؤية الكعبة المشرفة ، كل الطرقات والأزقة أهلة بالمعتمرين كلهم سواء سبحان الذي رزقنا هذا وسوى بين عباده لافرق بين عربي ولا اعجمي ولا ابيض ولا اسود ولا غني ولا فقير ولاسيد ولا مسود إلا بالتقوى لا اله الا الله سبحانك ما اعظمك ،

نزلنا بالعزيزية النسوة في شقة وفي الشقة المقابلة نزل الرجال ووضعنا امتعتنا وبعد ان صلينا فرائضنا انتقلنا مسرعين الى حيث الكعبة المشرفة كانت الساعة حوالي السابعة ليلا يا الله ينادوننا لنتجه الى بيت الله الحرام وما ادراكم ما بيت الله انه قبلة المحبين لله ومنبع إلهام العارفين بعزه وجلاله قصد اداء العمرة ، ذهبت مسرعة ممسكة بزوجي الذي اضطبع بإحرامه اي كشف عن كتفه الأيمن ،طبعا باليمنى كما هي العادة ودعاء دخول المسجد وكل اهتمامي هذه المرة هو انني اريد رؤية الكعبة المشرفة الله اكبر الله اكبر الله اكبر اني ارى الكعبة المشرفة لأول مرة

انبهار عظيم لبيت اعظم نعم ارى الكعبة المشرفة امامي يا لها من شهقة اتتني لا اصدق اجهشت بالبكاء ودعوت دعوتي وانا متيقنة كل اليقين انها مستجابة ، لا اصدق اين انا نعم انا ببيت الله الحرام تركز نظري على هذا البيت العظيم الذي كلما نظرت اليه الا واحببت وزدت اعجابا ومهابة وخضوعا وخشوعا بدموع صادقة مؤمنة بعظمة الخالق سبحان الله لا مثيل لكل هذا .
سأطوف ببيت الله الحرام، لا اله الا الله هي كلمة مفتاح يسرت لنا الطريق للطواف عن قرب نعم والله دعوت بكل ما حضر لي وكررت الدعاء وكررت والححت على ربي كي يغفر لنا ذنوبنا ويستر عيوبنا وينصرنا على من ظلمنا وان ينصركل بلاد المسلمين وكل شيء يخطر لك على بال ذكرته نعم اخوتي في الله ساعات بين يدي الرحمن لا يمكن ان افوتها .

كنا نظن انه من سابع المستحيلات الطواف بالمنطقة السفلى حيث الكعبة المشرفة للعدد الغفير بل كل ضيوف الرحمن تتواجد الليلة بأطهر مكان على الوجود، كلنا هنا لنكون سوية في يوم التروية يوم غد وهو يوم الثامن من ذي الحجة ، كل الجموع تردد كل حسب لغته كل مذهبه والقصد واحد بيت الله الحرام بدانا الطواف من محاذاة الركن الشرقي وهو الحجر الاسود ونقطة الانطلاقة مبينة سواء بخط على الارض او بضوء اخضر في مرئ عام فوق وينتهي عنده الشوط وهذه الصورة توضح ذلك اكثر والتي اعتمدنا عليها عندما كنا نحضر انفسنا لاجتياز هذا الامتحان الرباني.

وشرعنا بإذن الله تعالى في الطواف مكبرين الله وبالضبط كنت في الدائرة او الصف الرابع يعني بقدرة الله عز وجل لم اعرف كيف وصلنا الى هناك سبحانك ربي ما اعظمك ، ووالله ما اوصاني به اهلي ومعارفي بان هناك التصاق وازدحام شديد لا اله الا الله كان زوجي يحوطني ولم اشعر قط اننا في ازدحام اي نعم كان العدد هائل يدخل فوج ويخرج اخر وكانت انطلاقتنا من مخرج الحجاج بكل بطء الى ان اصبحنا في الداخل بدأ الشوط الاول قلت "
بسم الله الله اكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك وفي المساحة بين الركن اليمني والحجر الاسود نشير باليد ونقول اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار والصورة توضح ذلك في كل شوط كنت احس انني في تغير وفي بداية عهد جديد كما وكأنني في مخاض كل شوط اعقد فيه عقدة في تجديد العهد مع الله جل في علاه ونقاء للنفس كل شوط يمر والخشوع يزداد قمة .
في كل شوط احسست انني اخرى تماما ما اجمله من شعور انك بيدي الله نور في الارض وملائكة رب العالمين تحوط الامَين الى بيت الله الحرام ،فرحة من السماء لاتوصف لااله الا الله ،فالطائف مثل المصلي بين يدي الله ،

تمت الاشواط السبعة وفي كلها كنت ادعو لكل معارفي من قريب او بعيد ولكل امة سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم في هذه الحلبة التي نسال الله تعالى ان نكون ممن خرجوا منها بعفو ومغفرة من الله تعالى ،وانتقلنا الى حيث اتجاه مقام ابراهيم عليه الصلاة والسلام بعد ان غطى زوجي كتفه مزيلا الاضطباع صلينا ركعتين الركعة الاولى بسورة الكافرون وفي الركعة الثانية بسورة الاخلاص ،

ثم اتجهنا نحو سقاية زمزم هذه النعمة وهذه المعجزة الخارقة من رب العالمين ،لنشرب من ماء زمزم جلست ارضا شربت وشربت كثيرا وسبحان الله ماء زمزم تشرب حتى تشبع ولا تحس بانك امتلات وكل تركيزي على ان تكون كل قطرة تدخل احشائي هي دواء رباني وشفاء عظيم نعم أحسست وادركت انني ولدت من جديد في هذه اللحظات الخالدة نعم تذكرت انني في جهاد اكبر وهو جهاد النفس .

انتقلنا الى مرحلة اخرى من مراحل العمرة وهي السعي بين الصفا والمروة ، انطلقنا نحو السعي الذي يبدأ من الصفا ويختم عند المروة، ويتم هذا الركن اقتداءا بما قامت به امنا هاجر رضي الله عنها وكلنا نعرف القصة ، وفي صعودنا الى الصفا كنا نردد
"إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خيراّ فإن الله شاكر عليم"
إلى ان اتجهنا نحو الكعبة المشرفة وكل يدعو الله تعالى بما أراد المهم ,وهكذا إلى ان تمت الاشواط السبعة في السعي بين الصفا والمروة .

بعد الإنتهاء من السعي بين الصفا والمروة تحس فعلا بأنك تغيرت وأصبحت انسانا جديدا
خرجت من الحرم المكي الشريف بفرحة عارمة اخذتني لأسبح في ملكوت الله وفي باب الحرم وكأن طيور الحمام جاءت لتقول لي هنيئا لك بإتمام هذا الركن على خير فالحمد لله حمدا كثيرا الذي يسر لنا كل هذا .

اتجهنا نحو محل السكن حيث الرجال قاموا بالحلق وخلع ثوب الاحرام وارتداء ملابس عادية وطبعا النساء بالتقصير الى يوم غد ان شاء الله ، يوم التروية حيث سنتوجه الى منى.
الى ذلكم الحين اترككم مع هذه اليوميات التي جعلتني استرجع كل لحظة كنت فيها هناك
لاحرمكم الله الحج والعمرة .

دمتم في رعاية الرحمن

مشاركات الزوار = مشاركات أم مشعل = يومياتي في حج سنة 1431 هجرية = الحلقة السادسة