لقد سبق أن كتبت أكثر من مقال نُشر حول المرأة وميادين نشاطها، وكتبت كذلك كتاب:"المرأة بين نهجين: الإسلام أو العلمانية". ولكن على كثرة ما أُثير حول هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، وما طُرح من مغالطات، وجدت من واجبي أن أعود وأكتب هذا الردَّ والتعقيب على بعض ما قرأت.
يطلق بعضهم اليوم نصاً عاماً مطلقاً دون أي قيود يقول: إنَّ الإسلام قرَّر مساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة سواء بسواء، أو يحصرها بحقِّ المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء. ولقد ذكرتُ في مقالة سابقة أنَّ هذا النصّ العام لا يصحّ إلا أن يستند على نصٍّ من الكتاب والسنَّة أو على ممارسة حقيقيّة ممتدّة زمن النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين.
وردّ بعضهم عليّ في قولي المذكور أعلاه: إذا لم يوجد النصّ العام في الكتاب والسنّة ولا الممارسة الممتدّة، فهل يوجد نصّ بالتحريم، وهل الأصل في الأشياء الحلّ ما لم يقم نصّ على التحريم أو على العكس؟!
أقول هذا أسلوب جدليّ فيه مغالطة كبيرة، وخلط بين أمرين مختلفين. في مجال الحرام والحلال الأصل في الأشياء التحليل ما لم يرد نصّ على التحريم. أما في أمور التشريع المتعلق بالحقوق والواجبات، والعلاقات بين الرجل والمرأة، وبين الناس عامة، وميادين الممارسة في الحياة فلا بدَّ من نصّ يبيّن الحقوق والواجبات، ويؤيد ما يضعه الناس من نصوص عامة خالية من الضوابط والقيود أو يرفضها. ولذلك جاءت في الكتاب والسنّة نصوص ثابتة تحدّد حقوق الرجل والمرأة في الميراث حيث تختلف الحقوق، وجاءت نصوص ثابتة في أنَّ المسؤولية الأولى للمرأة رعاية بيت زوجها، وطاعته ورعاية ولده: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته ..... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم ... " [أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي[.
والإسلام فرض الجهاد في سبيل الله على الرجل المسلم، ولم يفرضه على المرأة المسلمة، وإن اشتركت المرأة المسلمة فما كان ذلك إلا في بعض جوانب المعركة كمداواة الجرحى، وتوفير بعض المساعدات، أو في ظرف خاص مثل معركة أحد، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة رضي الله عنها فقال:
"نعم! عليهنَّ جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" [أخرجه البخاري]. وأحاديت صحيحة أخرى. وصلاة الجمعة فرض على الرجل المسلم وليست فرضاً على المرأة المسلمة، وصلاة المرأة المسلمة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وكذلك قوله سبحانه وتعالى:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً). [ النساء : 34].
والرجل هو المكلف بالإنفاق على البيت، والمرأة ليست مكلفة بذلك إلا إن أحبَّت أن تعين زوجها. فالرجل قوَّام على بيته وعلى زوجه، وقوَّام صيغة مبالغة تفيد المسؤولية الكبيرة.
وقِوامة الرجل في البيت على زوجه مفصّلة في الكتاب والسنَّة تفصيلاً واسعاً لا يترك لأحد فرصة لفساد تأويل، وكلها تجعل الرجل أمير البيت بالمعروف، وعلى الزوجة طاعته بالمعروف، ليسود السكن والمودة، حين يعرف الرجل دينه والمرأة دينها، ويتّقي كلّ منهما ربَّه، فيعرف كلّ منهما مسؤولياته وحدوده عن إيمان صادق وعلم صاف بالكتاب والسنّة.
ولكن من الناس اليوم من يريد أن يؤوّل معنى القِوامة حتى يحصرها في أمور ضيّقة تجعل من الزوجة مساوية للرجل في نظام الأسرة، تاركاً الأحاديث والآيات الكثيرة الواردة في ذلك.
ولا يحل لامرأة أن تصوم "نافلة" وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها محرم، ولا يحل لها أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها محرم ، وأحاديث صحيحة أخرى كثيرة حول ذلك يصعب عرضها. وفي أحوال الطلاق تكون القاعدة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.
وبالفطرة ندرك الفروق بين المرأة والرجل بصفة عامة، وجاء العلم اليوم ليكشف الفروق الرئيسة بين الرجل والمرأة في النواحي الجسمية والنفسية. ولكن الله أعلم بكل الفروق، فأنزل تشريعه رحمة بعباده ولصالحهم في الدنيا والآخرة.
إذا كانت هذه بعض الفروق بين الرجل والمرأة، فإنها كلها لا تنقص من قدر المرأة في الإسلام ولا من كرامتها، فكرامة المرأة وقدرها تنبع من طاعتها لله في شرعه، وكرامة الرجل وقدره تنبع من طاعته لله في شرعه، ليعرف كلٌّ منهما حدوده التي حدّها الله دون التمرّد عليها بتأويل فاسد أو تجاهل لنصوص ثابتة.
وإذا كانت هذه بعض الفروق، فإن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في أمور أخرى واضحة. فالشعائر فرض على المسلم والمسلمة، وطلب العلم فرض على المسلم والمسلمة، وتبليغ رسالة الله ودينه فرض على المسلم والمسلمة كلٌّ في ميدانه وفي نطاق مسؤوليته، كلٌّ قدر وسعه الصادق. وللمرأة ميادين للعمل ليست للرجل، وللرجل ميادين للعمل ليست للمرأة، ويمارس الرجل مسؤولياته وحقوقه في النهج الذي رسمه الله له وبيّنه وفصَّله، وتمارس المرأة مسؤولياتها وحقوقها في النهج الذي رسمه الله لها وبيّنه وفصَّله. والأسرة هي الميدان الذي تشترك فيه المرأة والرجل في العمل في سكن ومودَّة وتعاون، ولكل دوره ومنزلته كما أشرنا سابقاً.
فيمكن للمرأة أن تمارس نشاطها العلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهي في ميدانها الذي رسمه لها الإسلام، دون اختلاط بالرجال، ودون تبرّج وكشف للزينة، ومع كامل الالتزام بآداب الإسلام. وهذا كله بعد أن تُوفي المرأة بمسؤوليَّتها الأولى التي حدَّدها الله لها في رعاية زوجها وبيته وولده. وأساس ذلك أن يكون المجتمع مجتمعاً ملتزماً بشرع الله خاضعاً له، حتى يتسنَّى وضع النظام والقانون الذي يفسح المجال للمرأة أن توفي بمسؤولياتها، من حيث تنسيق الوقت لكل نشاط دون تعارض وإخلال.
ولفهم فقه هذه القضية لا يكفي أن نأخذ حادثة واحـدة نتلقّفها من هنا وهناك، ننتزعها من ظروفها وملابساتها لنبتدع نصّاً بشريَّاً عاماً ننزله منزلة نصوص الكتاب والسنَّة ليُطبّق في كلِّ زمان ومكان! القضيّة قضية نهج ربّاني متماسك متكامل أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فلا بدّ من دراسته كلّه على ترابطه، وتطبيقه كله والتزامه كله على ترابطه وتماسكه، ولا يجوز التزام جزء وترك أجزاء.
والأمثلة التي يستدل بها مروّجو مساواة المرأة بالرجل كلها حالات فرديّة. لا تحمل صفة الامتداد والاستمرار، ولا تخضع لنصٍّ عام من كتاب أو سنَّـة. وتظل مرتبطة بظروفها الخاصة. وكلُّ المروّجين لمبدأ مساواة المرأة بالرجل يأخذون قصة أم سلمة في الحديبية، حين شكا إليها زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم همّه من أنّ الصحابة لم ينصاعوا لأمره بالتحلّلِ وفكّ الإحرام. فأشارت عليه: اخرج أنت وفك الإحرام، فيقتدوا بك! واستحسن الرسول صلى الله عليه وسلم رأيها. وهكذا كان ! فالرجل يفرغ همه لزوجه، سواء أكان هماً سياسياً أو غير ذلك، ولا يُعقل أن ينحصر حديث الرجل مع زوجه في أمور المنزل، فالحياة كلها مفتوحة أمامهما يخوضان فيها على طاعة الله من خلال السكن والمودة، فهي ليست دليلاً على مشاركة المرأة للرجل سواء بسواء في النشاط السياسي. ولا أدلّ على ذلك من أنَّ أمّ سلمة نفسها لم نعد نراها هي أو غيرها مشاركة للرجال سواء بسواء في مجالس الشورى والسياسة وغيرها. أم سلمة -رضي الله عنها- كانت زوجة أعانت زوجها برأيها، ولم تكن سياسية مارست السياسة في المجتمع. ولا نجد في كتب السيرة والتاريخ لها دور المرأة التي خاضت ميادين السياسة كما يدعو بعضهم النساء إليه اليوم!
ومن النساء اليوم، ومن الدعاة من يستدل على حق المرأة ومساواتها للرجل في النشاط السياسي، (وهذا يتبعه المساواة في غير السياسة) ، مِنْ أنَّ مِنَ النساء من هنَّ موهوبات مبدعات مثل الرجل أو أكثر. لا خلاف حول ذلك، فالله يضع المواهب في الرجال والنساء على حكمة له. لا ننكر أنّ من النساء من هنّ موهوبات في هذا الباب أو ذاك، وأنه من حقّهنّ ممارسة هذه الموهبة في الطبّ والتدريس والأدب والعلوم وغير ذلك. ولكن الاختلاف هو في أسلوب الممارسة، فهناك فرق بين النساء اللواتي يتولّين التدريس للذكور أو للإناث فقط، أو يمارسن التدريس مع الرجل في نفس المدرسة سواء بسواء كالرجل، أو أن يمارسن التدريس في أجواء النساء فقط! وأسلوب الإسلام واضح جلي! وكذلك في الطب وفي مختلف العلوم والميادين. فالمرأة تمارس مواهبها من خلال ضوابط شرعيّة، ومن خلال التزام منهج ربّاني متكامل وليس من خلال قواعد متفلّتة!
وخديجة -رضي الله عنها- كانت أول امرأة آمنت، وأعانت الرسول صلى الله عليه وسلم بمالها وعقلها وجهدها، وبالتزامها لدين الله في حدود ما كان ينزل حينذاك. وذهابُها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم - إلى ورقة بن نوفل أمر طبيعي من زوجة تقف مع زوجها وتعينه، خاضعة لشرع الله، على قدر ما كان يتنزّل آنذاك. ولكن أين المشاركة السياسية كالرجل سواء بسواء. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه في دار الأرقم، فهل كان النساء يختلطن مع الرجال في دار الأرقم كالرجال سواء بسواء، حيث كانت تدور شؤون الدعوة كلها؟
وانتداب أسماء -رضي الله عنها- عند الهجرة، وكانت هذه المهمّة هي نقل الطعام والأخبار إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن الحماسة أخذت ببعضهن حتى جعلت من هذا العمل دليلاً على مشاركة المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء، أو "جعلت من هذا العمل لا يقف عند النشاط السياسي والمشاركة فيه، ولكنه صناعة للحياة كلها"! وما زالت المرأة تقوم بمثل هذا الجهد في مجتمعات كثيرة خاضعة لأعراف المجتمع مع كل حالة.
كل هذه الأمثلة لم تقع إلا في مرحلة لم يكتمل فيها التشريع المنزّل من عند الله. فلم يكن الحجاب آنذاك قد فرض، وكثير من حدود المرأة والرجل لم يكن تنزّل بها تشريع أو اكتمل.
وأمَّا أنَّ الفاروق -رضي الله عنه- عهد إلى الشفاء بنت عبد الله محتسبة على السوق، فخبر يحتاج إلى تدقيق. فما ورد في "الإصابة في تمييز الصحابة" قوله: "وربما عهد إليها بشيء من عمل السوق" . و"ربما" تجعل الخبر غير موثوق، ولم ينقله عنه كثير ممن كتب عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أو عن الشفاء رضي الله عنها. وكان أحرى بنا أن نبرز الشفاء -رضي الله عنها- معلِّمة للنساء من الصحابة الكتابة والقراءة والرقية. فقد كانت من فضليات الصحابيات تعرف حدودها. وربما كان ما كُلِّفت به من أمر السوق، لو ثبت الخبر أمراً ليس فيه اختلاط بالرجال. فالخبر غير دقيق ولا العمل معروف وفيه "ربما"! وفيه: "بشيءٍ من عمل السوق" . وبعضنا يقرر من عند نفسه العمل عن غير علم ولا تبيُّنٍ.
أما القول بأنَّ سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ أفتى بدخول المرأة هذه المجالس النيابية، والمشاركة فيها فقول غير سليم. وسماحته لم يُفْتِ بذلك، وإنَّما أفتى بعكس ذلك. ففي كتابه: " الفتاوى النسائية " يقول: " فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان على جهة التصريح أو التلويح بحجة أنَّ ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرّة وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعيّة. ومن أراد أن يعرف ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تُحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم ...." ويقول سماحته: "فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي ..." [ ص: 15-17]
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في كتابه: "من الأحكام الفقهية في الفتاوى النسائية" ص 62 : " ... المجال العمليّ للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل: أن تعمل في تعليم البنات سواء أكان ذلك عملاً إدارياً أو فنياً، وفي بيتها أعمال كثيرة ....، وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها" .
والاستشهاد بالآية الكريمة : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة :11]
ليس حجة على شيء إلا أن في الرجال ضعفاء ومنافقين، وكذلك في النساء يوجد ضعيفات ومنافقات. فهذا أمر خارج عن موضوع البحث كله.
وربما تجد امرأة أو فتاة تردُّ على ما طرحته حول هذا الموضوع، ثم تخفي اسمها، و كان أولى أن تُفصح عن اسمها لتمارس حقَّها في ذلك. فبإخفاء اسمها ناقضت نفسها في دعواها من حق المرأة في المشاركة في العمل السياسي كالرجل سواء بسواء. فإذا أخفت اسمها فكيف ستنزل ميادين الرجال باسمها وجسمها؟!
وكان خيراً لكل من يتعرَّض لمثل هذه الموضوعات أن يتثبَّت من كل خبر قبل أن ينقله على غير وجهه الصحيح، كما في موضوع الصحابية شفاء بنت عبد الله العدوية رضي الله عنها، وكما فيما نُقل عن سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.
وأنصح كذلك أن يتجنب المسلم المغالطة والتأويل الفاسدين واللعب بالألفاظ، كما نرى عند بعض من يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل مساواة مطلقة، أو بالعمل السياسي، وأنصح بعدم تلقُّط الحوادث المرتبطة بظروفها غير ممتدَّةٍ مع الزمن، وغير ممثِّلة لقاعدة شرعيَّة.
وكذلك فمما قرأته من جميع الداعين إلى مساواة المرأة بالرجل إما مساواة مطلقة، أو مساواة في العمل السياسي، لم أجد أحداً أتى بدليل شرعي واحد يحسم القضية لصالح رأيه. وكما قلت فإنَّ الأمثلة التي يسوقونها إما حوادث لم تحمل صفة الاستمرار في المجتمع الإسلامي زمن النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين، وإما تأويل غير سليم لآية أو حديث، تأويل لم يُعرف خلال خمسة عشر قرناً الماضية، ولا يتفق وأُصول اللغة العربية أو قواعد الاجتهاد، أو تحميل الألفاظ ما لا تحتمل، أو أن تكون الرواية غير صحيحة أو غير دقيقة، ويكون الاستنتاج تبعاً لذلك غير سليم.
ولا بدّ من أن نعي أنَّ إثارة حقوق المرأة اليوم ومساواتها بالرجل إثارة تحمل الفتنة والتضليل. ذلك لأن مشكلة المسلمين اليوم ليست مساواة المرأة بالرجل، فالمرأة نفسها تحتاج إلى بناء وإعداد، والرجل يحتاج إلى بناء وإعداد، وقضايا الأمة كلها يجب أن تُدرس وتُحدد المشكلات ومواطن الخلل، ثمّ يوضع نهج عام وخطة كاملة لمعالجة جميع المشكلات. أمّا أن نخفي مشكلاتنا الكبيرة ونبرز مساواة المرأة بالرجل فأمر غريب يتنافى وأبسط قواعد المنطق وواجبات الإصلاح ومنهاج الإسلام.
ولقد طُبّقت مساواة المرأة بالرجل في السياسة وغيرها في بلدان عربية وإسلامية، فماذا قدَّمت هذه المساواة لبلادهم؟ وماذا جنت البلاد غير الهزائم والذل والهوان؟ ولم تأخذ من الحضارة إلا زخرفاً كاذباً، لم يهب القوَّة للأمـة ولا العزّة والمنعة، ولا القدرة على حماية الأرض والنفس والعرض.
لقد أشغلنا الغرب بقضايا كثيرة أخذت وقتنا وجهدنا وأموالنا واستنفدت طاقاتنا، حتى وقفنا عاجزين لا وزن لنا.
المظاهرات صورة من صور النشاط السياسي، والمرأة شاركت في المظاهرات في بعض البلاد الإسلامية، فلننظر ماذا لا قين وماذا كتبت الصحف عن ذلك. وأنشطة سياسية أخرى رأينا عواقبها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية، ورأينا عواقبها الخطيرة في العالم الغربي. أليس في هذا كله من واعظ وعبرة؟!
يطلق بعضهم اليوم نصاً عاماً مطلقاً دون أي قيود يقول: إنَّ الإسلام قرَّر مساواة المرأة بالرجل مساواة كاملة سواء بسواء، أو يحصرها بحقِّ المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء. ولقد ذكرتُ في مقالة سابقة أنَّ هذا النصّ العام لا يصحّ إلا أن يستند على نصٍّ من الكتاب والسنَّة أو على ممارسة حقيقيّة ممتدّة زمن النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين.
وردّ بعضهم عليّ في قولي المذكور أعلاه: إذا لم يوجد النصّ العام في الكتاب والسنّة ولا الممارسة الممتدّة، فهل يوجد نصّ بالتحريم، وهل الأصل في الأشياء الحلّ ما لم يقم نصّ على التحريم أو على العكس؟!
أقول هذا أسلوب جدليّ فيه مغالطة كبيرة، وخلط بين أمرين مختلفين. في مجال الحرام والحلال الأصل في الأشياء التحليل ما لم يرد نصّ على التحريم. أما في أمور التشريع المتعلق بالحقوق والواجبات، والعلاقات بين الرجل والمرأة، وبين الناس عامة، وميادين الممارسة في الحياة فلا بدَّ من نصّ يبيّن الحقوق والواجبات، ويؤيد ما يضعه الناس من نصوص عامة خالية من الضوابط والقيود أو يرفضها. ولذلك جاءت في الكتاب والسنّة نصوص ثابتة تحدّد حقوق الرجل والمرأة في الميراث حيث تختلف الحقوق، وجاءت نصوص ثابتة في أنَّ المسؤولية الأولى للمرأة رعاية بيت زوجها، وطاعته ورعاية ولده: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته ..... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم ... " [أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي[.
والإسلام فرض الجهاد في سبيل الله على الرجل المسلم، ولم يفرضه على المرأة المسلمة، وإن اشتركت المرأة المسلمة فما كان ذلك إلا في بعض جوانب المعركة كمداواة الجرحى، وتوفير بعض المساعدات، أو في ظرف خاص مثل معركة أحد، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة رضي الله عنها فقال:
"نعم! عليهنَّ جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" [أخرجه البخاري]. وأحاديت صحيحة أخرى. وصلاة الجمعة فرض على الرجل المسلم وليست فرضاً على المرأة المسلمة، وصلاة المرأة المسلمة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وكذلك قوله سبحانه وتعالى:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً). [ النساء : 34].
والرجل هو المكلف بالإنفاق على البيت، والمرأة ليست مكلفة بذلك إلا إن أحبَّت أن تعين زوجها. فالرجل قوَّام على بيته وعلى زوجه، وقوَّام صيغة مبالغة تفيد المسؤولية الكبيرة.
وقِوامة الرجل في البيت على زوجه مفصّلة في الكتاب والسنَّة تفصيلاً واسعاً لا يترك لأحد فرصة لفساد تأويل، وكلها تجعل الرجل أمير البيت بالمعروف، وعلى الزوجة طاعته بالمعروف، ليسود السكن والمودة، حين يعرف الرجل دينه والمرأة دينها، ويتّقي كلّ منهما ربَّه، فيعرف كلّ منهما مسؤولياته وحدوده عن إيمان صادق وعلم صاف بالكتاب والسنّة.
ولكن من الناس اليوم من يريد أن يؤوّل معنى القِوامة حتى يحصرها في أمور ضيّقة تجعل من الزوجة مساوية للرجل في نظام الأسرة، تاركاً الأحاديث والآيات الكثيرة الواردة في ذلك.
ولا يحل لامرأة أن تصوم "نافلة" وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا ومعها محرم، ولا يحل لها أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها محرم ، وأحاديث صحيحة أخرى كثيرة حول ذلك يصعب عرضها. وفي أحوال الطلاق تكون القاعدة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.
وبالفطرة ندرك الفروق بين المرأة والرجل بصفة عامة، وجاء العلم اليوم ليكشف الفروق الرئيسة بين الرجل والمرأة في النواحي الجسمية والنفسية. ولكن الله أعلم بكل الفروق، فأنزل تشريعه رحمة بعباده ولصالحهم في الدنيا والآخرة.
إذا كانت هذه بعض الفروق بين الرجل والمرأة، فإنها كلها لا تنقص من قدر المرأة في الإسلام ولا من كرامتها، فكرامة المرأة وقدرها تنبع من طاعتها لله في شرعه، وكرامة الرجل وقدره تنبع من طاعته لله في شرعه، ليعرف كلٌّ منهما حدوده التي حدّها الله دون التمرّد عليها بتأويل فاسد أو تجاهل لنصوص ثابتة.
وإذا كانت هذه بعض الفروق، فإن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل في أمور أخرى واضحة. فالشعائر فرض على المسلم والمسلمة، وطلب العلم فرض على المسلم والمسلمة، وتبليغ رسالة الله ودينه فرض على المسلم والمسلمة كلٌّ في ميدانه وفي نطاق مسؤوليته، كلٌّ قدر وسعه الصادق. وللمرأة ميادين للعمل ليست للرجل، وللرجل ميادين للعمل ليست للمرأة، ويمارس الرجل مسؤولياته وحقوقه في النهج الذي رسمه الله له وبيّنه وفصَّله، وتمارس المرأة مسؤولياتها وحقوقها في النهج الذي رسمه الله لها وبيّنه وفصَّله. والأسرة هي الميدان الذي تشترك فيه المرأة والرجل في العمل في سكن ومودَّة وتعاون، ولكل دوره ومنزلته كما أشرنا سابقاً.
فيمكن للمرأة أن تمارس نشاطها العلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهي في ميدانها الذي رسمه لها الإسلام، دون اختلاط بالرجال، ودون تبرّج وكشف للزينة، ومع كامل الالتزام بآداب الإسلام. وهذا كله بعد أن تُوفي المرأة بمسؤوليَّتها الأولى التي حدَّدها الله لها في رعاية زوجها وبيته وولده. وأساس ذلك أن يكون المجتمع مجتمعاً ملتزماً بشرع الله خاضعاً له، حتى يتسنَّى وضع النظام والقانون الذي يفسح المجال للمرأة أن توفي بمسؤولياتها، من حيث تنسيق الوقت لكل نشاط دون تعارض وإخلال.
ولفهم فقه هذه القضية لا يكفي أن نأخذ حادثة واحـدة نتلقّفها من هنا وهناك، ننتزعها من ظروفها وملابساتها لنبتدع نصّاً بشريَّاً عاماً ننزله منزلة نصوص الكتاب والسنَّة ليُطبّق في كلِّ زمان ومكان! القضيّة قضية نهج ربّاني متماسك متكامل أنزله الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فلا بدّ من دراسته كلّه على ترابطه، وتطبيقه كله والتزامه كله على ترابطه وتماسكه، ولا يجوز التزام جزء وترك أجزاء.
والأمثلة التي يستدل بها مروّجو مساواة المرأة بالرجل كلها حالات فرديّة. لا تحمل صفة الامتداد والاستمرار، ولا تخضع لنصٍّ عام من كتاب أو سنَّـة. وتظل مرتبطة بظروفها الخاصة. وكلُّ المروّجين لمبدأ مساواة المرأة بالرجل يأخذون قصة أم سلمة في الحديبية، حين شكا إليها زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم همّه من أنّ الصحابة لم ينصاعوا لأمره بالتحلّلِ وفكّ الإحرام. فأشارت عليه: اخرج أنت وفك الإحرام، فيقتدوا بك! واستحسن الرسول صلى الله عليه وسلم رأيها. وهكذا كان ! فالرجل يفرغ همه لزوجه، سواء أكان هماً سياسياً أو غير ذلك، ولا يُعقل أن ينحصر حديث الرجل مع زوجه في أمور المنزل، فالحياة كلها مفتوحة أمامهما يخوضان فيها على طاعة الله من خلال السكن والمودة، فهي ليست دليلاً على مشاركة المرأة للرجل سواء بسواء في النشاط السياسي. ولا أدلّ على ذلك من أنَّ أمّ سلمة نفسها لم نعد نراها هي أو غيرها مشاركة للرجال سواء بسواء في مجالس الشورى والسياسة وغيرها. أم سلمة -رضي الله عنها- كانت زوجة أعانت زوجها برأيها، ولم تكن سياسية مارست السياسة في المجتمع. ولا نجد في كتب السيرة والتاريخ لها دور المرأة التي خاضت ميادين السياسة كما يدعو بعضهم النساء إليه اليوم!
ومن النساء اليوم، ومن الدعاة من يستدل على حق المرأة ومساواتها للرجل في النشاط السياسي، (وهذا يتبعه المساواة في غير السياسة) ، مِنْ أنَّ مِنَ النساء من هنَّ موهوبات مبدعات مثل الرجل أو أكثر. لا خلاف حول ذلك، فالله يضع المواهب في الرجال والنساء على حكمة له. لا ننكر أنّ من النساء من هنّ موهوبات في هذا الباب أو ذاك، وأنه من حقّهنّ ممارسة هذه الموهبة في الطبّ والتدريس والأدب والعلوم وغير ذلك. ولكن الاختلاف هو في أسلوب الممارسة، فهناك فرق بين النساء اللواتي يتولّين التدريس للذكور أو للإناث فقط، أو يمارسن التدريس مع الرجل في نفس المدرسة سواء بسواء كالرجل، أو أن يمارسن التدريس في أجواء النساء فقط! وأسلوب الإسلام واضح جلي! وكذلك في الطب وفي مختلف العلوم والميادين. فالمرأة تمارس مواهبها من خلال ضوابط شرعيّة، ومن خلال التزام منهج ربّاني متكامل وليس من خلال قواعد متفلّتة!
وخديجة -رضي الله عنها- كانت أول امرأة آمنت، وأعانت الرسول صلى الله عليه وسلم بمالها وعقلها وجهدها، وبالتزامها لدين الله في حدود ما كان ينزل حينذاك. وذهابُها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم - إلى ورقة بن نوفل أمر طبيعي من زوجة تقف مع زوجها وتعينه، خاضعة لشرع الله، على قدر ما كان يتنزّل آنذاك. ولكن أين المشاركة السياسية كالرجل سواء بسواء. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه في دار الأرقم، فهل كان النساء يختلطن مع الرجال في دار الأرقم كالرجال سواء بسواء، حيث كانت تدور شؤون الدعوة كلها؟
وانتداب أسماء -رضي الله عنها- عند الهجرة، وكانت هذه المهمّة هي نقل الطعام والأخبار إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن الحماسة أخذت ببعضهن حتى جعلت من هذا العمل دليلاً على مشاركة المرأة في النشاط السياسي كالرجل سواء بسواء، أو "جعلت من هذا العمل لا يقف عند النشاط السياسي والمشاركة فيه، ولكنه صناعة للحياة كلها"! وما زالت المرأة تقوم بمثل هذا الجهد في مجتمعات كثيرة خاضعة لأعراف المجتمع مع كل حالة.
كل هذه الأمثلة لم تقع إلا في مرحلة لم يكتمل فيها التشريع المنزّل من عند الله. فلم يكن الحجاب آنذاك قد فرض، وكثير من حدود المرأة والرجل لم يكن تنزّل بها تشريع أو اكتمل.
وأمَّا أنَّ الفاروق -رضي الله عنه- عهد إلى الشفاء بنت عبد الله محتسبة على السوق، فخبر يحتاج إلى تدقيق. فما ورد في "الإصابة في تمييز الصحابة" قوله: "وربما عهد إليها بشيء من عمل السوق" . و"ربما" تجعل الخبر غير موثوق، ولم ينقله عنه كثير ممن كتب عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أو عن الشفاء رضي الله عنها. وكان أحرى بنا أن نبرز الشفاء -رضي الله عنها- معلِّمة للنساء من الصحابة الكتابة والقراءة والرقية. فقد كانت من فضليات الصحابيات تعرف حدودها. وربما كان ما كُلِّفت به من أمر السوق، لو ثبت الخبر أمراً ليس فيه اختلاط بالرجال. فالخبر غير دقيق ولا العمل معروف وفيه "ربما"! وفيه: "بشيءٍ من عمل السوق" . وبعضنا يقرر من عند نفسه العمل عن غير علم ولا تبيُّنٍ.
أما القول بأنَّ سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ أفتى بدخول المرأة هذه المجالس النيابية، والمشاركة فيها فقول غير سليم. وسماحته لم يُفْتِ بذلك، وإنَّما أفتى بعكس ذلك. ففي كتابه: " الفتاوى النسائية " يقول: " فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان على جهة التصريح أو التلويح بحجة أنَّ ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرّة وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعيّة. ومن أراد أن يعرف ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تُحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم ...." ويقول سماحته: "فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي ..." [ ص: 15-17]
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ في كتابه: "من الأحكام الفقهية في الفتاوى النسائية" ص 62 : " ... المجال العمليّ للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل: أن تعمل في تعليم البنات سواء أكان ذلك عملاً إدارياً أو فنياً، وفي بيتها أعمال كثيرة ....، وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها" .
والاستشهاد بالآية الكريمة : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة :11]
ليس حجة على شيء إلا أن في الرجال ضعفاء ومنافقين، وكذلك في النساء يوجد ضعيفات ومنافقات. فهذا أمر خارج عن موضوع البحث كله.
وربما تجد امرأة أو فتاة تردُّ على ما طرحته حول هذا الموضوع، ثم تخفي اسمها، و كان أولى أن تُفصح عن اسمها لتمارس حقَّها في ذلك. فبإخفاء اسمها ناقضت نفسها في دعواها من حق المرأة في المشاركة في العمل السياسي كالرجل سواء بسواء. فإذا أخفت اسمها فكيف ستنزل ميادين الرجال باسمها وجسمها؟!
وكان خيراً لكل من يتعرَّض لمثل هذه الموضوعات أن يتثبَّت من كل خبر قبل أن ينقله على غير وجهه الصحيح، كما في موضوع الصحابية شفاء بنت عبد الله العدوية رضي الله عنها، وكما فيما نُقل عن سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.
وأنصح كذلك أن يتجنب المسلم المغالطة والتأويل الفاسدين واللعب بالألفاظ، كما نرى عند بعض من يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل مساواة مطلقة، أو بالعمل السياسي، وأنصح بعدم تلقُّط الحوادث المرتبطة بظروفها غير ممتدَّةٍ مع الزمن، وغير ممثِّلة لقاعدة شرعيَّة.
وكذلك فمما قرأته من جميع الداعين إلى مساواة المرأة بالرجل إما مساواة مطلقة، أو مساواة في العمل السياسي، لم أجد أحداً أتى بدليل شرعي واحد يحسم القضية لصالح رأيه. وكما قلت فإنَّ الأمثلة التي يسوقونها إما حوادث لم تحمل صفة الاستمرار في المجتمع الإسلامي زمن النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين، وإما تأويل غير سليم لآية أو حديث، تأويل لم يُعرف خلال خمسة عشر قرناً الماضية، ولا يتفق وأُصول اللغة العربية أو قواعد الاجتهاد، أو تحميل الألفاظ ما لا تحتمل، أو أن تكون الرواية غير صحيحة أو غير دقيقة، ويكون الاستنتاج تبعاً لذلك غير سليم.
ولا بدّ من أن نعي أنَّ إثارة حقوق المرأة اليوم ومساواتها بالرجل إثارة تحمل الفتنة والتضليل. ذلك لأن مشكلة المسلمين اليوم ليست مساواة المرأة بالرجل، فالمرأة نفسها تحتاج إلى بناء وإعداد، والرجل يحتاج إلى بناء وإعداد، وقضايا الأمة كلها يجب أن تُدرس وتُحدد المشكلات ومواطن الخلل، ثمّ يوضع نهج عام وخطة كاملة لمعالجة جميع المشكلات. أمّا أن نخفي مشكلاتنا الكبيرة ونبرز مساواة المرأة بالرجل فأمر غريب يتنافى وأبسط قواعد المنطق وواجبات الإصلاح ومنهاج الإسلام.
ولقد طُبّقت مساواة المرأة بالرجل في السياسة وغيرها في بلدان عربية وإسلامية، فماذا قدَّمت هذه المساواة لبلادهم؟ وماذا جنت البلاد غير الهزائم والذل والهوان؟ ولم تأخذ من الحضارة إلا زخرفاً كاذباً، لم يهب القوَّة للأمـة ولا العزّة والمنعة، ولا القدرة على حماية الأرض والنفس والعرض.
لقد أشغلنا الغرب بقضايا كثيرة أخذت وقتنا وجهدنا وأموالنا واستنفدت طاقاتنا، حتى وقفنا عاجزين لا وزن لنا.
المظاهرات صورة من صور النشاط السياسي، والمرأة شاركت في المظاهرات في بعض البلاد الإسلامية، فلننظر ماذا لا قين وماذا كتبت الصحف عن ذلك. وأنشطة سياسية أخرى رأينا عواقبها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية، ورأينا عواقبها الخطيرة في العالم الغربي. أليس في هذا كله من واعظ وعبرة؟!
المرأة المسلمة.. والنشاط السياسي!
|
مع قضية .. المرأة والعمل السياسي |
|
د. عدنان علي رضا النحوي |
0 التعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن تعلق أخي الفاضل ..
وقبل أن تعلقي أختي الفاضلة ..
تذكرا قول الله تبارك وتعالى :
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
ملاحظة : إذا أردت التعليق ولم تكن مشارك بأي موقع من المواقع الموجودة أدناه ..
اختر هذا الخيار (URL الاسم/العنوان)
ثم تكتب اسمك بدون وضع أي رابط ..
وإذا أردت أن أن تصلك إشعارات على بريدك بوجود تعليقات جديدة على نفس الصفحة التي علقت عليها فاختر "الاشتراك عن طريق البريد الإلكتروني" الموجود تحت صندوق الكتابة
والله الموفق