ماذا بعد رمضان ؟




الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، أما بعد :

أحبتي في الله بالأمس القريب كنا نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك ويهنئ بعضنا بعضا فرحا بقدومه، وها نحن اليوم نودعه فما أشد وقع وداعه على النفس، وما أعظم ألم فراقه على القلب، هاهو رمضان قد مضى بنا سريعا بخيراته وبركاته ونفحاته ونسماته، حتى أننا في ذهول من مغادرته ومفارقته، بالأمس كنا نترقبه بكل فرح خشوع، واليوم نودعه بكل أسى ودموع ..

يا لائمي في البكا زدني به كلفاً *** واسمع غريب أحاديث وأشعار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع *** منا المصلي ومنا القانت القاري
وفي التراويح للراحات جامعة *** فيها المصابيح تزهو مثل أزهار
شهرٌ به يُعتق الله العصاة وقد *** أشفوا على جُرف من حصة النار
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا *** ما قد بقي، فهو حقٌ عنكم جاري

ولكن يبقى السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل منا : ماذا بعد رمضان ؟ هل يا ترى هل سنصوم أياما في سبيل الله بعد أن ذقنا لذة الصيام في رمضان ؟ هل سنقوم لياليا في سبيل الله بعد أن عرفنا حلاوة الخشوع ولذة المناجاة والدعاء في رمضان ؟ هل ستبقى قلوبنا رحيمة على الضعفاء والمساكين والأيتام والأرامل بعد أن تذوقنا لذة العطاء والإحسان في رمضان ؟ هل ستبقى ألسنتنا تلهج بذكر الله وتتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار بعد أن عشنا مع آياته لحظات خاشعة رائعة متأثرين بمعانيه الجليلة الجميلة في رمضان؟ هل ستبقى الصدقات وغض الأبصار والمحافظة على الصلوات والستر والحياء وصلة الأرحام والكف عن محارم الله والمسارعة إلى الخيرات  والإزدياد من أنواع القربات؟ هل سنحيي كل تلك الأجواء الإيمانية ونداوم على أعمال البر والخير بعد رمضان ؟ أو أننـــــــا .....؟؟؟

فنحن جميعا في أمس الحاجة إلى أن يسمر حالنا طوال أشهر السنة على نفس النهج الذي كنا عليه في رمضان، وفي أمس الحاجة إلى أن نعمر جميع أوقاتنا بطاعة الله تبارك وتعالى، وما يقربنا إليه من أعمال صالحة خالصة، ولئن كان هذا الشهر المبارك قد انتهى فإن الله سبحانه وتعالى باق حي لا يموت وعمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه لبدنه ..

قال الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر: 99] وقال سبحانه وتعالى قبل عن عيسى عليه السلام: { وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا }  [مريم : 31] .
قيل لبعض السلف أن أناسا يجتهدون في رمضان ثم يتركون ذلك بعده فقال : بئس القوم لا يعرفون الله تعالى إلا في رمضان !!

نعم إخواني أخواتي آبائي وأمهاتي .. إن كان رمضان قد انقضى ومضى بأيامه ولياليه ودقائقه وثوانيه، وكان موسما من مواسم الخير والطاعة، فإن الزمان والعمر كله فرص للخير والتزود من التقوى للدار الآخرة، لأن المؤمن مأمور بعبادة الله تعالى في جميع أحواله وأوقاته، وفي كل زمان ومكان ووقت وآن، وليست العبادة مختصة بشهر رمضان فقط أو مرحلة من العمر أو مقيدة بفترة من الدهر..!! بل إن رمضان ماهو إلا محطة إيمانية ومدرسة ربانية تعودنا على طاعته سبحانه وتعالى، وتجعلنا نتذوق حلاوة الصيام والقيام وتلاوة القرآن وغيرها من الأعمال الصالحة، فترتفع بذلك درجة إيماننا ويزداد يقيننا بربنا تبارك وتعالى، ويكون هذا محفزا أساسيا للإستمرار في الطاعة والعبادة بعد هذا الشهر الكريم فحياة المؤمن كلها عبادة لله قال سبحانه : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

إخوتي في الله هناك الكثير الكثير مما أتمنى أن أذكر نفسي وإياكم به، ولكن كما يُقال يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ومن أراد الإستزادة من هذا الموضوع والإستفادة أكثر فليشرفنا بزيارته لموقعنا (قافلة أهل القرآن) فبإذن الله تبارك وتعالى سوف ندرج فيه بعد العيد ملفا شاملا يحوي مقالات ومحاضرات متنوعة غنية بالوقفات الفريدة والهمسات المفيدة والنصائح النفيسة التي لا يستغني عنها كل من أراد لنفسه الإستمرار على هذا الخير  ..!

ولا يفوتني التذكير  بصيام ستة من شوال لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم

أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن يعبد الله في رمضان وفي غير رمضان وأن يتقبل ما كان منا فيه من صالح الأعمال ويجعلنا من عتقائه من النار وأن يعيده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة اللهم آمين ..


2 التعليقات:

غير معرف يقول...

جازاكم الله خيرا و ثبت خطاكم

م.ح يقول...

اللهم آمين اللهم تقبل منا الصيام والقيام والدعاء وبلغنا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة ..

سبحان الله مر هذا الشهر الفضيل بسررررررررررررررعة والله المستعان :'(

أشاطركم هذه الخاطرة والتي هي فيض من حزن :

لاحت ظلال العيد في المُحيّا ... والقلب بين الحزن والفرحة حيرانُ
فيا نفس هل أهنئك بقدوم العيد ... أم أصبرك لرحيل الحبيب
على الفراق فاصبري واعلمي ... أن الله أدرى بالخفي والعلن
وعن الدعاء والتضرع لا تفتري ... فرمضان ربّاك لما بقي من أشهر
لك الله با من عز عليك الفراق ... سلي الله أن يعيد هكذا لقاءُ

إرسال تعليق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن تعلق أخي الفاضل ..
وقبل أن تعلقي أختي الفاضلة ..
تذكرا قول الله تبارك وتعالى :

(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

ملاحظة : إذا أردت التعليق ولم تكن مشارك بأي موقع من المواقع الموجودة أدناه ..
اختر هذا الخيار (URL الاسم/العنوان)
ثم تكتب اسمك بدون وضع أي رابط ..

وإذا أردت أن أن تصلك إشعارات على بريدك بوجود تعليقات جديدة على نفس الصفحة التي علقت عليها فاختر "الاشتراك عن طريق البريد الإلكتروني" الموجود تحت صندوق الكتابة

والله الموفق

تـأكـد مـن صـحـة الحـديث قبـل نشـره

بحث عن:

ولا تنسـى أخاك خالد إسـلام من الدعـاء

الصفحة   الرئيسية