الأسماء المستعارة الإلكترونية وهم أم حقيقة؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الكثيرين من روَّاد الشبكة العنكبوتية
يتعاملون مع الأسماء الإلكترونية على أنها وهمٌ لا حقيقة؛ مما يجعلهم
يَقعون في أخطاء قد تُكلِّفهم الكثير في الدنيا قبل الآخرة، ومن ضِمن هذه
الأخطاء الخطيرة التي يقع فيها كل مَن يعتقد هذا الاعتقاد اللامسؤول: أذية
الآخرين وظلْمهم، وإساءة الظنِّ بهم، ومُخاطبتهم بكلمات قد تَجرَح
مشاعرَهم، لا سيما أن الشيطان يُمهِّد لهم الطريق لفِعْل هذا الشيء بواسطة
إيهامهم أن هذه أسماء وهميَّة فقط، وأن تأثير الكلام عليها لن يكون له أثرٌ
ملموس على أرض الواقع بالسلب أو الإيجاب، مُتجاهلين أن وراءها نفوسًا
بشرية، بعظمها ولحمها، وعقلها وقلبها، تُحِس وتشعر، وتفرح وتحزن!
فانتبه أيها العاقل - رحِمك الله - فإن أي
كلام قد توجِّهه لأي شخص على الإنترنت، له نفْس التأثير عندما توجِّهه إلى
الشخص ذاته خارج الإنترنت، وهذا شيء تُحِس به بنفسك وتتفاعَل معه وتشعر به
حقيقة.
وكمِثال على ذلك: عندما
يُعلِّق شخص ما عليك - سواء على الفيس بوك، أو منتدى، أو أي مكان آخر على
الشابكة - ويُسيء إليك بالسّب والشتم، أو يتَّهِمك اتهامات أنت منها بريء
براءة الذئب من دم يوسف - عليه السلام - لاحظ كيف أثَّر ذلك على نفسك؟! بل
وعلى شعورك نحو هذا الشخص؛ بل وعلى رِدَّة فِعلك تُجاه كلامه! ونفس الشيء
لو مدَحك شخص آخر، وأثنى عليك، وقال لك كلامًا طيبًا ومشجِّعًا، كيف يكون
أثره على نفسك؟ بل وعلى شعورك نحوه؟ بل وعلى رِدَّة فِعلك تُجاه ما قاله،
فهل يستويان عندك؟ كلا وألف كلا!
فإياك إياك أن تقول في نفسك:
إن هذا الشخص لا يعرفني، ولم يَرني؛ فتنهال عليه بكلام لا تَرضى أن يُقال
لك، ثم تُغلِق صفحة الفيس بوك أو المنتدى أو الموقع أو البرنامج، وأنت
مطمئن البال، معتقدًا أن كل شيء على ما يُرام؛ لسذاجتك! وأنت قد تسبَّبت له
في صدمة نفسيَّة، وأذى كبير لا يعلَمه إلا الله - سبحانه وتعالى - مما
دفعه إلى الدعاء عليك وأنت لا تعلم، وتعلم أن دعوة المظلوم مُستجابة، وليس
بينها وبين الله حجاب!
نعم،
قد يُخالِفك الشخص في المنهج أو العقيدة أو الفكر أو الرأي أو الديانة أو
غير ذلك، ومع هذا فليس لك الحق في أن تُسيء إليه بأي نوع من أنواع الإساءة،
فكن خيرَ سفير لإسلامك، وخير قدوة لإخوانك، بعفَّة لسانك، وجمال أخلاقك،
واحترامك للآخرين، ولن يُعينك على ذلك إلا مُراقبة الله تعالى في أعمالك
وأقوالك، واستحضار الكِرام الحَفَظة عن يمينك وشمالك، لا يفوتهم تدوين كل
صغيرة وكبيرة صادرة من أفعالك، واستشعارك أن هذا الشخص أمامك فعلاً، اسمًا
ورسمًا!
هذا،
وإن السبب في إثارتي لهذا الموضوع رؤيتي ومشاهدتي لكثير من الناس على
صفحات الفيس بوك، وعلى المنتديات، وعلى البرامج الصوتيَّة، يَستسهِلون
الإساءة إلى بعضهم البعض، ويتقاذَفون الألفاظ الجارحة بينهم، ويتبادلون
الاتهامات دون أدنى حِسٍّ من المسؤولية، ودون إدراك لعواقبها العاجلة في
الدنيا، والآجلة في الآخرة!
وإنني لأَهْمِس في آذان كلِّ واحد من
هؤلاء - ممن ظلَم إخوانه بقول أو فعل - أن يتدارَك أمره الآن قبل فوات
الأوان، فيَعتذِر لكلِّ مَن أساء إليهم قبل أن ينزل الموت بأحدهما فيكون
خَصيمه يوم القيامة، ومن كان له خُصماء يوم القِصاص فليخشَ على حسناته من
تحويلها إلى حسابهم، فيكون بذلك من المُفلِسين! نعم، من المفلسين؛ فقد قال
الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
﴾ [الشعراء: 227]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتدرون ما
المُفلِس؟))، قالوا: "المُفلِس فينا من لا درهم له ولا متاع"، فقال: ((إنّ
المُفلِس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا،
وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته،
وهذا من حسناته، فإن فَنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذ من خطاياهم
فطُرِحت عليه ثمّ طرح في النّار))؛ أخرجه أحمد (2/334، رقم 8395)، ومسلم
(4/1997، رقم 2581)، والترمذي (4/613، رقم 2418)، وقال: حسن صحيح، وأخرجه
أيضًا: الطبراني في الأوسط (3/156، رقم 2778)، والديلمي (2/60، رقم 2338).
واقتباسًا من هذا الحديث الجليل الذي يَهتزُّ له القلب، لك أن تتخيَّل معي الآتي:
تخيَّل أنه عند أول نظرة تُلقيها على
صحيفة أعمالك يوم القيامة، لا تجد فيها حسنات تَعِبت من أجل تحصيلها في
الدنيا، فتسأل في ذهول، وعقلك يكاد يَطيش من مكانه، أي ربِّ، أين حسناتي؟!
(صلواتي، زكواتي، صدقاتي، حَجي، عمرتي، ذِكري، تلاوتي للقرآن، دعوتي، أمري
بالمعروف، نهيي عن المنكر، إحساني للناس، برِّي بالوالدين، صِلتي للأرحام،
بنائي للمساجد، أعمالي الخيرية.. إلخ)، فيقال لك: كلُّ حسناتك قد أُعطيتْ
لمن ظلْمتَهم في الدنيا، ولا زال هناك خُصماء ينتظرون منك القِصاص! يسقط
عليك الخبر كالصاعقة، وتَمتزِج دموعك بالخوف والهَلَع والحزن، وهول الصدمة
وشدة الموقف؛ لأنك في أمسِّ الحاجة لهذه الحسنات، وكيف لا، وهي سبب لدخولك
الجنة ونجاتك من النار بعد رحمة الله - تبارك وتعالى؟!
لا تكاد تُصدِّق ما يجري حتى تُكرِّر
النظرَ مرة أخرى في صحيفتك، فتجد بها سيئات لم تعملها، فيطيش عقلك مرة
أخرى، ولسانُك عاجِز عن الكلام، لا يكاد يتفوَّه بكلمة واحدة، تُحاوِل
استجماع أنفاسك لتسأل مرة أخرى بصوت خافِت مُتقطِّع، تأتاء متحشرِج مبحوح:
أي ربّ هذه سيئات لم أعملْها؟! فيُقال لك: هذه سيئات مَن ظلمتْهم في
المُحادَثة! هذه سيئات من ظلمتهم في المعاملة! هذه سيئات مَن ظلمتهم في
المُبايعة! هذه سيئات مَن ظلمتَهم في المُجاوَرة! هذه سيئات من ظلمتهم في
المحاضرة! هذه سيئات من ظلمتهم في المناظرة! هذه سيئات من ظلَمتَهم في
المذاكرة! هذه سيئات من سَبَبتهم! هذه سيئات من شتمتهم! هذه سيئات من
اغتَبتهم! هذه سيئات، هذه سيئات... ثم تَسقُط مغشيًّا عليك ثم تُجرّ
فتُطرَح في النار!! نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.
نعم، أخي
الحبيب، أختي الفاضلة، فإن ((الظُّلم ظُلمات يوم القيامة))، فقبل أن يَحين
ذلك اليوم، فلنُسارِع ولنُبادِر إلى تصحيح أخطائنا، ولنعتذِر لكل من أسأنا
إليهم بقصد أو بغير قصْد، أو تَخاصمنا معهم بسبب سوء تفاهُم ما، فلنبحث
عنهم، ولنُراسِلهم، ولنطلب منهم المسامحة والعفو والصَّفح، ولندعُ الله
لهم، ولنستغفر لهم، ولا يظن أحد منا أن الاعتذار موقف ضعْف ومَنقَصة
ومذلَّة، لا والله؛ بل بالعكس تمامًا؛ فالاعتذار مروءة وشهامة، كبرياء
وكرامة، الاعتذار صفةٌ نبيلة لا يُجيدها إلا النبلاء ذوو القلوب الصافية،
والنفوس الجميلة، والمشاعر الراقية!
الاعتذار يجعلك تَكبُر في عين مَن
يَستحقُّه منك، ويُزيل ما بينك وبينه من عداوة وشحناء، وكراهية وبغضاء،
ويقوم مقامها المحبة والأُلفة، والاحترام والإجلال؛ بل والأهم من ذلك كله
إنقاذ رصيد حسناتك من الإتلاف والإفلاس، وإنقاذ نفسك من الهلاك والخُسران!
أما والله إن الظُّلمَ لؤمٌ
وما زال المُسيء هو الظلومُ
إلى ديَّان يوم الدِّين نَمضي
وعند الله تَجتمِعُ الخصومُ
لأمر ما تَصرَّفتِ الليالي
وأمرٍ ما تحركت النجومُ
ستَعلَمُ في الحسابِ إذا التقينا
غدًا عند الإله من المَلومُ
سينقطع التروُّح عن أُناسٍ
من الدنيا وتَنقطِع الغمومُ
|
(أبو العتاهية)
هذه كلمات أحببتُ أن أُذكِّر بها نفسي قبل إخواني..
فأتمنَّى أن تَلقى صداها لدى كلِّ قارئ..
كما أستغِلُّ الفرصة لأعتذِر لكلِّ مَن أسأت إليه أو أخطأت في حقه من قريب أو بعيد؛ فكلنا خطَّاء، وخير الخطائين التوابون.
صفا الوُدُّ إن كان الذي منكمُ يصفُو
وقد زال همِّي إن أُزِيلَ لكم هَمُّ
ويُسرِع خطوي نحو من قد ألِفْتُهمْ
بكل طريق ليس يبقى لهم غمُّ
ألا يا رِفاقَ الدَّربِ قولوا بِرَبِّكُمْ
أيصفو رفيقٌ في الحياة هنا يَسْمُو؟
وقد كُدِّرَ الماءُ الزُّلالُ وإن جرَى
على رفرفٍ خُضْر الجبال لنا شمُّ
يُترجِم آلامي ويبكي مدامعي
فقلبي لكم بالحبِّ يبكي هنا الدَّمُّ
فليس لكم ذنبٌ ولستُ ألومكُمْ
فقد زانتِ الأخلاق وابتَعْد الذَّمُّ
فقد أخطأتْ في حقكم كُلُّ كلمةٍ
وظَنٍّ فأمسينا كما أننا الصُّمُّ
فقابلتُم ذاك الأذى كلَّ حكمةٍ
تحمَّلتُمونا والأذى المُكْثَرُ الجمُّ
وواجَهْتُمُ جهلي بحِلمِ كرامةٍ
فأُلبِستُمُ من حُلِّةٍ وَشْيُها رَسْمُ
أتموا علينا ما توافر أصلهُ
بكم من سماحاتٍ لها الرَّوْنَقُ الصَّمُّ
فقد قيل: إن الحلم يبعث أهلهُ
على الكرم الصافي وأخلاقنا تسمو
أحبكمُ رغمَ العواصِف والهوَى
ورغم الرياح العاتيات الألى بُهْمُ
فمهما جرى تَبقى المودَّة بَيْنَنا
فلا تحرموني قُرْبَكم أيها الشمُّ
ألم تذكروا قربي وصافي مودتي
أقدمها إذ كان فيها لكم قَسْمُ
ألم تشتهوا يومًا كتابات خَطّهَا
يراعي لكم شاعت وكان لها رسمُ
فعودوا سريعًا فتِّحوا كل نافذٍ
لقتل سقيم الحزن في رُوحه السمُّ
|
(حمد العقيل)
واللهَ أسأل أن يتجاوَز عنا ويرحمنا ويغفر
لنا ذنوبَنا وإسرافنا في أمرنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
عليه توكَّلنا وبه نستعين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة مفتاحية لتعليقات للقراء الكرام :
حدثنا عن هذه الظاهرة من وجهة نظره الخاصة ،، ؟
كيف ترى هذه الظاهرة؟
وهل هي فعلا موجودة وملموسة؟
بماذا تنصح من ينظر إليك على أنك وهم لا حقيقة؟
هل حصلت معك مواقف معينة فيها عبرة نستفيد منها جميعا؟
هل هناك من الأسماء (الوهمية في نظر البعض) ما كان له أثر إيجابي في نفسك؟
ماهي الحلول التي تقترحها لعلاج هذه الظاهرة؟
وجزاكم الله خيرا
ماهي الحلول التي تقترحها لعلاج هذه الظاهرة؟
وجزاكم الله خيرا
ودمتم بود
يمكنكم التعليق بهاته الصفحة أو صفحة موقع الألوكة
http://www.alukah.net/Sharia/0/53362
1 التعليقات:
لااله الا الله فعلا علينا ان نراجع اوراقنا ونقف مع انفسنا ونحاسبهاقبل ان نحاسب فيما بعد ولنجعل اسماءنا المستعارة سفيرة الكلمة الطيبة ونجعل الله رقيبنا ولا نستهين بالامر لنسامح ونعفو وليكن قلبك يسع العالم بدل ان تجعله ضيقا كن طيبا باسمك المستعار ولاتكن فضا غليض القلب ،فانت اينما كنت وكيفما اخترت اسمك فلا اهمية لذلك بقدر ما يهم كلامك وتعاملك وتربيتك واخلاقك مع كل اخوانك واخواتك بالشبكة العنكبوتية . نسال الله تعالى ان يجعل الكلمة الطيبة هي العملة المتداولة بين الناس في كل مكان وان يكون للحب في الله كبير لبناء مجتمع من الناس استعاروا اساءهم لكن لم يستعيروا اخلاقهم او تصرفاتهم
وصدق قول الصادق الامين الحياء شعبة من شعب الايمان
والخص كلامي في جملة واحدة اذا لم تستحي فافعل ما شئت .
بارك الله فيكم بني الفاضل وشكر لكم مجهوداتكم الطيبة
امكم ام مشعل
إرسال تعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن تعلق أخي الفاضل ..
وقبل أن تعلقي أختي الفاضلة ..
تذكرا قول الله تبارك وتعالى :
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
ملاحظة : إذا أردت التعليق ولم تكن مشارك بأي موقع من المواقع الموجودة أدناه ..
اختر هذا الخيار (URL الاسم/العنوان)
ثم تكتب اسمك بدون وضع أي رابط ..
وإذا أردت أن أن تصلك إشعارات على بريدك بوجود تعليقات جديدة على نفس الصفحة التي علقت عليها فاختر "الاشتراك عن طريق البريد الإلكتروني" الموجود تحت صندوق الكتابة
والله الموفق