هل خـروج المرأة من سـجن التغييب يوقـع في فـخ الابتذال؟
وليد سالم الحارثي – جدة
الشاشة ذات الشروط العالية الرفيعة، وذات التأثير الكبير العاصف، تحصر المشهد بإطار وتنتزعه من سياق ثم أضواء مسلطة ومؤثرات متداخلة تدعي أنها الواقع ولا شيء غير الواقع.. الإعلامية المسلمة .. بين الحضور والظهور في الشاشة، قضية ذات أبعاد شتى وأراء بينها وقفة نفس. نناقشها بهدوء نفس ولعبة منطق.. ما أهمية الحضور للمرأة في الشاشة وما منطلقات ذلكم الحضور؟ كيفية وأشكال ظهور المرأة على الشاشة؟ وما نوعية ذلك الظهور أو الحضور؟ في الإعلام المرئي: هل تحتاج المرأة للحديث عن نفسها بظهورها؟ أم يكفي حديث الرجل عنها وتكتفي هي بالحضور؟ ولماذا؟ وإلى أي اتجاه تذهب صورة المرأة الإعلامية في الشاشة في مجتمعنا؟ وهل مكانتها في ذلك الفضاء تسمح لها بمواصلة السير فيه بطريقة و أخرى؟ ثم لماذا هذه النظرة وهل لظهورها عوضاً عن حضورها سبب ؟! ثم ما الذي تريده الشاشات الفضية من الإعلامية المسلمة بحضورها أو بظهورها ؟!
وبما أن المرأة أم، والأم أسرة، والأسرة مجتمع، والمجتمع أمة .. نحن هنا نناقش تلك التساؤلات مع ثلة من أصحاب الرأي والتخصص ولنتفق أن قضية المرأة ليست معقدة لذاتها، وإنما لكثرة الخيوط التي أدخلت في نسيجها وأكثر تلك الخيوط ليس منها.. إن فرقاً كبيراً بين من يناقش أحقية المرأة بقضية معينة، وبين من يناقش في حتمية تلك الأحقية أياً كانت ظروفها وصورها. بداية:
نحتاج لنموذج صادق يطمئننا
الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم ينحى برأيه في جانب أكثر عمقاً حين قال: ما دمنا نقول أن في الواقع أشياء ينبغي تصحيحها في قضية المرأة السعودية فإنني هنا أقول: أن الحل في نظري هو تقديم النموذج الصادق وإلا سيظل الناس مختلفين وسيكثر الحديث ويقل الفعل فالنموذج الصادق هو تقديم المرأة المسلمة التي تعمل في الحياة، فالإسلام لم يمنع المرأة من الخروج من بيتها بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن). وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المرأة تخرج للبيع وللحقل وكانت تخرج مع الصحابة رضي الله عنهم في السفر والمغازي والحج والعمرة وغير ذلك وإنما المقصود هو الحفاظ على المرأة والتشريع الإسلامي جاء للحفاظ عليها"
ويضيف مؤكداً: "تقديم النموذج الصادق بمعنى أن الناس إذا رأوا نموذجاً بأعينهم نموذجاً صادقاً لممارسة إيجابية في حق المرأة، ودعنا نضرب مثالاً الآن صدرت مجموعة من الأنظمة فيما يتعلق بعمل المرأة وبيع المرأة في الملابس النسائية هذا يعتبر نوعاً من بالون الاختيار فإذا نجح المسؤولون عن هذا القرار في تطبيقه بشكل راق يحفظ للمرأة خصوصيتها واستقلالها في مواقع بعيدة عن الرجال سوف يحدث عندي وعند الآخرين طمأنينة، لكن لو فرضنا أن هذا الفعل ترتب عليه أشياء سلبية جداً فهذا سوف يحدث بالتأكيد انتكاسة لأي مشروع إيجابي لصالح المرأة ولذلك أقول حتى الذين يريدون الاستمرارية في مشاريع ايجابية عليهم أن يدركوا أنه لضمان أي مشروع ايجابي من الانتكاسة يجب أن تنجح مثل هذه البدايات ولا تتحول إلى نموذج سلبي يشير الناس إليه ويقولون كفى ما حصل".
الحضور والظهور.. شرعاً
الأستاذ محمد بن عبدلله المقرن مقدم برنامج الجواب الكافي بقناة المجد يوجه الرأي الشرعي في هذه المسألة حسب الآراء الفقهية المعتبرة حين يقول:
أنا أرى أن المسألة تخضع لرأيين فقهيين في مسألة حجاب المرأة، وأقصد أن القنوات الفضائية الآن تنطلق من رأيين: الرأي الأول الذي يرى أن الصحيح أن الحجاب الشرعي هو غطاء الوجه، ولذا هذا الرأي لا يرى إظهار المرأة لأنه لا يجوز من منطلق الرأي الذي أيده؛ وأنا أميل إلى هذا الرأي وأرى أنه لا مانع أن تشارك المرأة إذا كانت تلتزم الحجاب الشرعي سواء بالحضور بمشاركتها في بعض اللقاءات، أو من خلال الاتصال وتقديم برامج بالاتصال.
الرأي الثاني والذي يرى أن الحجاب ليس غطاء الوجه وهي التي ساهمت في ذلك، لكن أنا لدي ملحظ مع احترامي لأصحاب هذا الرأي أن الذين قالوا أصلاً بجواز كشف الوجه للمرأة وأن المسألة خلافية -وهذا الصحيح أنها خلافية- لم يقولوا أن تخرج المرأة بهذا المظهر فإذا قلنا برأي كشف الوجه فلا يجوز أن تخرج بوجه مليء بالأصباغ والجماليات ولذا كل القنوات إذا أخرجت المرأة كاشفة في الأغلب لا تخرجها بالمظهر العادي بالحجاب الشرعي الذي يغطي رأسها ولا يخرج إلا وجهها، وإنما تخرجها بكل ألوان المساحيق والشعر الخارج هولاء أصلاً خالفوا فيما دعوا إليه".
أما مشاركة المرأة بالاتصال وغيره فبإمكانها أن تشارك بالاتصال أو بإعداد برامج والأعداد أحياناً يكون أهم من التقديم لإظهار برامج نسائية متميزة.. ليس بالضرورة أن تخرج فيها، وهناك برامج خاصة بالمرأة تماماً ومن الأولى في هذه الحالة أن تكون المرأة هي المشاركة بالاتصال أو بالحضور بطريقة شرعية مناسبة أو من خلال الإعداد.
هذا زمن الفضائيات
وفي سؤالنا للدكتورة آمال صالح نصير أستاذة الدراسات القرآنية بكلية التربية للبنات بجدة عن رأيها في خروج المرأة في الفضائيات واستخدامها لهذه الوسيلة في الدعوة إلى الله.. فأجابت:
أذكر أنني ناقشت هذا الأمر مع زوجي وقلت له: بأن الفضائيات وسيلة مشرعة أمامنا، وعن نفسي فإنني لا أرغب أن أجلس أمام خمسة آلاف شخص، وأمامي مساحة يسمعني فيها أكثر من خمسة أو عشرة ملايين شخص فأنا مستعدة، فلكل زمان وسائله وآلياته وهذا زمن الفضائيات.
فما المانع من خروج المرأة إذا كانت بحجاب كامل ساتر ما يظهر منه حتى فص العين؟ وهذا قد يخالفني فيه الكثير.. ولكن ما المانع أن تخرج وتدير برنامج حواري أو تكلمت أو تحدثت، ودائماً المشاهدة الواقعية وإدارة المرأة للموضوع تختلف مهما كان عن إدارة الرجل للمواضيع وكلٌ ميسر لما خلق له فهي أعرف بقضايا المرأة وأقدر على إدارتها ومناقشتها من الرجل، وأنا أقول: أليس من الأفضل أن تخرج امرأة صالحة مؤمنة تتحدث في قضايا المرأة وتؤصل لها بدلاً من أن تخرج امرأة فاسقة أو غانية وتتحدث عنها، دعوا المرأة تخرج بحجابها وهي ساترة ويخرج صوتها وحجمها هو حجمها لن يتغير.
إقرأ وقعت في محاذير
حول تجربة قناة إقرأ في إظهار المرأة إعلامياً متحدثة بقضاياها ومشاركة بجانب الرجل يقول د. نبيل حماد رئيس قناة إقرأ سابقاً: " في قناة إقرأ الحمد لله بادرنا بمبادرات كثيرة لإظهار المرأة في القناة خالفنا فيها الكثير من الاتجاهات الإعلامية في العالم العربي، وكنا بين اتجاهين اثنين في هذه القضية: الأول الإسلاميين الذين يمنعون المرأة من الظهور، والثاني الترفيهيين الذين يبتذلون المرأة ويجعلونها سلعة رخيصة.
ويضيف الحماد في تجربة إظهار المرأة في الشاشة إعلامياً: "أقمنا أول برنامج للمرأة وهو (مجلة المرأة) عمره 7 سنوات في أكثر مكاتبنا في القاهرة وجدة ومكة وغيرها، وتقدمه المذيعة المتميزة (دعاء عامر) وهو برنامج يحترم فكر المرأة ويتناول اهتمامات المرأة اجتماعياً وسياسياً ودينياً، كما كانت لنا تجربة فريدة في إقرأ وهي برنامج (فتاوى المرأة) وتقدمه امرأة، وقدمنا مذيعات سعوديات لأول مرة".
ويقول: "جعلنا المرأة المسلمة تتكلم وتدلي برأيها وهو منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إعطاء المرأة فرصة للحديث عن نفسها وقد كانت مشاركة في عهده بالصوت والصورة ففي صحيح البخاري باب (سلام النساء على الرجال) و(عيادة النساء للرجال)، وكذلك في انتخابات الخلافة أخذ الصحابة أراء النساء وشاركت المرأة فيها، وعين عمر بن الخطاب قاضية من النساء على السوق".
ويتدارك نبيل الحماد على نفسه وعلى قناة إقرأ بقوله: لا ننكر فقد وقعنا في محاذير وتناقشنا في ذلك من حيث التركيز على وجه المرأة من بعض الفنيين بتقريب الكاميرات من وجه المذيعات. إلا أننا بسبب الإضاءة القوية في الإستديو والتي تظهر عيوب الوجه نطلب من المذيعات وضع قليل من المساحيق على الوجه وكذلك المذيعين من الرجال من أجل إخفاء تلك العيوب، وبرأيي الشخصي فإن قناة المنار تقدم أفضل نموذج لمشاركة المرأة في القنوات العربية والإسلامية وأفضل من إقرأ أيضاًُ".
طالبوا المسؤولين بالظهور أولاً
ويعود المقرن فيضيف: " أنا أرى أن المرأة بإمكانها أن تتحدث عن نفسها وبإمكان الرجل أن يتحدث عنها لأن الرجل مكمل للمرأة .. وهناك قضايا لا تقوم للمرأة إلا أن يكون الرجل جزء فيها ولذا هو يتحمل جزء من قضية المرأة لكن الجزء المحدد له، وفي المقابل المرأة يجب أن تدافع عن قضاياها وأيضاً تطرح مواضيعها بالصورة الأولى التي ذكرتها في الرأي الفقهي الأول ولكن أرى حقيقة أن بعض البرامج التي قدمت وشاركت فيها المرأة بالاتصال كانت مجدية.
ويتساءل: "ما الداعي أن تخرج لنا امرأة في التلفاز تحدثنا على الهواء وقد أخرجت وجهها ومساحيقها وتحدثنا عن سوق الأسهم. أنا لا أقلل من أن تكون المرأة مبدعة في هذا المجال لكن لو اتصلت أو حلت بالهاتف لا مانع. ونلاحظ كثيراً أن مسؤولين كبار في الدولة يتداخلون عبر الهاتف ويكون الناس ينتظرون هذا اللقاء فلم ينكر أحدٌ ذلك ويقول لا بد للمسؤول أن يخرج على الهواء!!
ويضيف: "أرى أن واقع المرأة عندنا في البلاد أفضل لها أن تبقى بالاتصال فهو أكثر محافظة عليها لها ولنا أيضاَ، وأنا أرى أنه يسعنا الاختلاف في هذا الموضوع لكن لا يسعنا ما يفعله البعض من إقصاء لآرائنا ويضع رأيه، ومن ذلك ما تعير به بعض القنوات المحافظة والتي لم تخرج المرأة بأنها تسير في درب التطرف، هذا منهج يا أخي هي اتخذته ومن حقها أن تفعله، وقد اطلعت قبل فترة على لقاء لأحد المسؤولين في الصحف المشهورة حيث سئل: لماذا لا تضعون صور كتاب الزوايا فقال: هذا منهج تعودت عليه الصحف العالمية أنها لا تضع صورهم. هذا الشخص الذي يقول هذا الكلام وأصحابه هم اليوم يعيبون على القنوات التي لم تخرج المرأة هذا نهج اتخذناه وقبل ذلك رأي شرعي، وبالمقابل هو شيء شخصي تراه القناة والدليل هو الميدان والميدان أثبت أن هناك توجها لهذا القنوات وليس نفوراً منها.
الرأي الشرعي والفني
الأستاذ محمد الدخيني المذيع التلفزيوني يدلي برأيه في القضية ويقول: بلا شك فإن حضور المرأة في الإعلام مهم جداً، ولها دورها الرائد في ذلك، وكثير من البرامج تقدمها المرأة لها دورها في الإعداد والحضور التلفزيوني" مضيفاً "مما أقتنع به أن قضايا المرأة يجب أن تناقشها إمرأة، وأفترض أننا تجاوزنا مرحلة النقاش حول أهمية حضور المرأة إلى كيفية حضورها في الشاشة لأننا بذلك النقاش نعود بها إلى الماضي".
إيمان العقيل: استنساخ تجارب الغرب الإعلامية أدى لتشويه حقيقة المرأة المسلمة
الأستاذة إيمان العقيل مديرة تحرير مجلة "حياة للفتيات" ومعدة برنامج (منتدى المرأة) في قناة المجد تقول من واقع تجربتها: ابتداءً لست مع الظهور للظهور لأي جنس كان ذكر أو أنثى، ولكن عندما يكون الظهور مبرراً بطرح يستحق وقضية تقدمها المرأة هنا أعتقد أننا بحاجة لأن نكون شجعاناً في طرح ما نؤمن به، ولا أؤيد طرح الرجل لقضايا المرأة فهي الأعلم بمشاكلها والأكثر قدرة على التعبير عن تطلعاتها وإبراز قضاياها.. ولا شك أن ظهور المرأة مع التزامها بضوابط الشرع وقواعد الحشمة والوقار يعطي ثقلاً وزخماً للقضية التي تطرحها، فوجودها يحقق تأثيراً أكبر من مجرد حضورها".
وتضيف العقيل: "يحافظ كل مجتمع على جوانب تميزه وهويته، ومن ضمن ذلك السلوك الاجتماعي العام، ورغم حداثة التجربة للإعلاميات وإتاحة الفرصة للظهور الإعلامي، وتناولهن قضايا نسائية متنوعة، فإننا نجد تفاوتاً في عمق الطرح وجدية المعالجة للقضايا الاجتماعية، ويعتري هذه التجربة بعض القصور من الظهور المكثف الغير منضبط، وكلنا أمل أن تستمر هذه التجربة في مقاربة "الظهور" بما ينسجم مع الصورة الحقيقية للمرأة السعودية شكلاً ومضموناً".
وتقول: "للأسف في كثير من الأحيان نجد حالة استنساخ في العالم العربي للتجارب الإعلامية السابقة بخيرها وشرها وحلوها ومرها، ونعيد تطبيقها دون الالتفات إلى خصوصياتنا المجتمعية وقيمنا الدينية، هذا الانفصام النكد أدى بالشاشات الفضية في عالمنا العربي إلى استخدام مواصفات للمرأة وفقاً "للمعايير الغربية" وهذا أدى بدوره إلى تشويه لحقيقة المرأة المسلمة، فبات النموذج الذي تسوقه علينا الشاشات هو البشرة البيضاء والجسم النحيل والملابس المثيرة، وتؤخذ هذه المواصفات كشروط لانضمام أي امرأة للشاشات الفضية، فأصبحن يمثلون بنا بدل أن يمثلننا، وما أتمناه على تلفزيوناتنا الخليجية عامة وبلاد الحرمين ومهبط الوحي خاصة؛ أن تتمرد على هذه القولبة، والاستنساخ للنماذج الغربية، وأن تؤكد الاعتزاز بالهوية الإسلامية والوطنية قولاً ومنهجاً وذلك بأن تتقدم للحضور والظهور من تمتلك ثقافة ووعي تستطيع أن تقدم المفيد في طروحاتها لهموم المجتمع ومشاكله، عندها سنتجاوز "النمذجة" للمتحدثة "الموديل" التي تضع طبقات من المساحيق وتحاول جذب المشاهدين بالتغنج بلا مضمون يخدم المتلقي وهو ما نشهده في القنوات الفضائية".
وتضيف العقيل: "دعيت أكثر من مرة للحضور الإعلامي عبر الشاشات السعودية وعلى الرغم من موافقتي للمشاركة في خدمة مجتمعي عبر الكلمة المسموعة إلا أنني اشترطت أن أكون بلباسي الشرعي الذي يمثل معظم النساء في مجتمعنا السعودي المحافظ. غير أني أفاجأ بالرفض التام والقاطع للمشاركة التلفزيونية، وكذلك المشاركة الصوتية –ربما خوفاً من الإفصاح عن أسباب عدم الاستضافة، وفي الضفة الأخرى من المد الإعلامي، هناك أصوات تتعالى هنا وهناك –رغم قلتها لكنها الأعلى صوتاً- تنعق بضرورة حرق النقاب والتخلي عنه لأنه لا يتماشى مع تطورات العصر، فهو يمثل عصر الجواري والحريم. وعلى الرغم من كثرة أعداد النساء الملتزمات باللباس الشرعي المحتشم البعيد عن التبرج والتجمل إلا أننا لا نجد لهن صوتا يسمع فهن مغيبات عن الساحة الإعلامية ولا يمثلهن أحد رغم أنهن يشكلن الغالبية "المصمتة".. بيد أن الشاشات تمتلئ بالغث من البرامج التي يكرر بعضها البعض ولا تأتي بجديد أو مفيد حتى تشابهت علينا الصور. لقد ضاقوا بقطعة صغيرة من القماش الناعم، ولم يتضايقوا من طبقات الألوان التي تصبغ الوجوه حتى اخفت معالمها!!".
رفقاً بالقوارير يا إعلامنا الإسلامي...!!
عزيزة بنت محمد الشهري *
أعتقد من وجهة نظري –كأنثى- أن مناقشة أسباب تغييب المرأة من الظهور الإعلامي في وسائل الإعلام المحافظة أو الملتزمة يجب ألاّ يُناقش إلا في أجواء سليمة وراقية وواقعية حتى لا ننجرف في ظل الأوضاع غير السليمة التي تُمارس في الإعلام المعاصر حتى في الفضائيات والمطبوعات المحافظة.
نحن أمام مشهد تتكون أبرز تفاصيله من صور ثلاث لوضع صورة المرأة في الإعلام:
الصورة الأولى: لوسائل أسرفت في ثقافة الجسد للجنسين، فكان جسد المرأة وسيلة جذب للرجل، وكان جسد الرجل وسيلة جذب للمرأة، وهنا تكون المرأة الخاسر الكبير في المعادلة، وبالتأكيد سيكون المجتمع ضحية لهذه الثقافة وخاسراً بانحطاط فكر المرأة.
الصورة الثانية: لوسائل تعمل على شرعنة مشاركة المرأة وإقحامها في الإعلام، وتظهر هذه المشاركة متأثرة –بقوة- بفكر الصورة الأولى، وهي تعمل بذات المفاهيم "النجومية"، مع أسلمة الصورة من خلال تصيّد الرخص وتطويرها وتحديثها.
الصورة الثالثة: وهي الصورة التي ترسخها القنوات المحافظة –قنوات المجد تحديداً- وهي الاكتفاء بالصوت النسائي، وتجنّب ظهور صورة المرأة، وهذا ما أدين لله سبحانه وتعالى بحبه والرضا به، وتطمئن إليه نفوس النساء المتدينات والمحافظات –بناء على نقاشات جادة ومكتوبة مع بعض المهتمات بالموضوع- ولكن تبقى صورة الرجل في هذه القنوات هي الإشكال، وهي النقطة التي تكفل لنا إعادة هذا الموضوع برمته للوضع الصحيح.
الوضع الذي يسمح في النهاية بإدراك أن الصورة التي تظهر للجمهور هي صورة تدعم وتعبر عن مضمون يحتاجه الناس، ولا تكون بحال من الأحوال هي الهدف أو المضمون الذي يحمله الإعلام، ولا تكون جاذبة لجنس من الجمهور على حساب الجنس الآخر.
وحتى أكون أكثر وضوحاً فإن ما تعرضه قنوات المجد من صور الرجال بأسلوب إخراجي يعرض حتى أدق تفاصيل وجه الرجال وقامته وجلسته وضحكته تدعو إلى السؤال وبقوة: ألا تُحترم المرأة حتى من الإعلام النظيف وحتى وهي مجرد جمهور؟
أرجو ألاّ يُفهم من كلامي هذا بأنه دعوة إلى إظهار المرأة بنفس الطريقة التي يظهر فيها الرجل أو حتى بأقل منها أو عدم إظهار صورة الرجل كلياً، لا فهذا ليس المطلب، إنما المطلب أن تُحترم المرأة "المشاهدة" (الجمهور) فيكون التركيز منصباً على المضامين، وتُستخدم أساليب الإخراج المناسبة كإبعاد الصورة عن التفاصيل الدقيقة والاكتفاء باللقطات العامة، وأجزم أن المهتمين بالإعلام الإسلامي لديهم القدرة على التنظير الواقعي لمجال الإخراج في الإعلام الإسلامي.
في ضوء الوضع القائم تدور الأسئلة والاستفسارات الملحة لدى أعداء الفضيلة.. أين المرأة في هذا الإعلام الذكوري الذي يصنع النجوم وينتجهم؟! أما عندما تقدم مصلحة الرسالة على مصالح الأفراد فلن يكون هناك مسوّغ لهذا التساؤل. ثم إن هناك أسئلة يجب الإجابة عنها من قبل القائمين على هذه المحطات تحديداً، أهمها:
هل هذا الإعلام موجّه للرجال أم للرجل والمرأة؟
ألستم تعملون في الإعلام الإسلامي بقاعدة الحلال والحرام.. فهل للمرأة "الجمهور" أن تنظر إلى هذا الكم الهائل من الذكور الذين يقدمهم الإعلام بطرق وأوضاع إخراجية تكاد تشبه "الفيديو كليب" أحياناً!! أنا على يقين أننا لو ضمنا أن قناة فضائية للمرأة لن يشاهدها إلا النساء فقط لتغير حكم مشاركة المرأة وظهورها على شاشات الإعلام... لكن ذلك مستحيل.
كما أن إعلام الرجال للرجال فقط لن يكون بدون قيود وحدود تضبط محتويات الصورة المقدمة.. فكيف عندما يكون الإعلام للجنسين؟
خلاصة القول: إن على القائمين على قنواتنا الحبيبة ومجلاتنا الإسلامية القيمة احترامنا كإناث من خلال استخدام أساليب إخراجية غير تلك التي تعلّمها المخرجون ومارسوها في قنوات أو مطبوعات غير ملتزمة، وعليهم الاستمرار في حجب المرأة وتطوير أساليب مشاركاتها المحجوبة والموضوعات التي تناسبها وتحظى باهتمامها، وفي ظني أن هذا ليس عدلاً فقط مع المرأة بل هو إخراج للقائمين على هذا الإعلام من تحمّل آثار قد يتحملونها دون علم منهم ضحيتها امرأة جهلت.
أرجو ألاّ يُنظر للأمر على أنه تكبيل وتقييد وتصيّد للأخطاء، بل هو دعم لمسيرة هذه القنوات والمجلات وترسيخ لمنهجها المتميز ورفق بالقوارير، ورفق بالقوارير، والله من وراء القصد.
المصدر : ملحق الرسالة بجريدة المدينة
بتاريخ الجمعة 8 شعبان 1427 - الموافق - 1 سبتمبر 2006 - ( العدد 15836)
0 التعليقات:
إرسال تعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن تعلق أخي الفاضل ..
وقبل أن تعلقي أختي الفاضلة ..
تذكرا قول الله تبارك وتعالى :
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
ملاحظة : إذا أردت التعليق ولم تكن مشارك بأي موقع من المواقع الموجودة أدناه ..
اختر هذا الخيار (URL الاسم/العنوان)
ثم تكتب اسمك بدون وضع أي رابط ..
وإذا أردت أن أن تصلك إشعارات على بريدك بوجود تعليقات جديدة على نفس الصفحة التي علقت عليها فاختر "الاشتراك عن طريق البريد الإلكتروني" الموجود تحت صندوق الكتابة
والله الموفق